المجتمع و الاستمرارية
بطريقة ما المجتمع يحاول الاستمرار بالقيم التي شهدها في سلفه أكثر من التي قرأها في الكتب، يحاول الاستمرار بالسلوكيات و الألفاظ التي شاهدها في الجيل الذي سبقه في بيئته التي ترعرع فيها ، فالسلوكيات و الألفاظ الملاحظة و المسموعة أكثر انتشارا و انتقالا من المسطورة في الكتب ، و بحديثنا عن المسموع و المرئي إقرار بأن الميديا المبثوثة في الأقنية المختلفة بوساطة شبكة الانترنت أو الإرسال الإذاعي هي سواء مع السلوكيات الملاحظة واقعيا هي سواء معها في الانتشار ، نعم الكتاب أخباره هي الأقل انتشارا.
نعود
لحديثنا في محاولة استمرارية المجتمع بقيمه و نقول عنها أنها عادة في صدام مباشر
مع القيم الدخيلة، صدام يقوده أشخاص مفردون أو أسر أو جماعات لأنهم يجدونها غير
مطابقة لما تعلموه و مخالفة لدستورهم القيمي ، هذا الدستور القيمي الذي أثبت ما
يكون إذا كان دينيا لأنه لا يتبدل، أما إن كان قدوة أو قانونا أو عادات و تقاليد
فهو متحول غير ثابت، هؤلاء الأفراد و الأسر و الجماعات في صدامهم تختلف شدة
مقاومتهم و ثباتهم تبعا لشخصيتهم و البيئة الحاضنة.
فمثلا
إذا كانت القيمة عدم التدخين ستكون مقاومة التدخين أكبر إذا كان الشخص مقتنعا هو
ذاته بذلك و كذلك البيئة المحيطة تدعمه بأن تكون بيئة تنبذ التدخين و ليست مرحبة
به أو مروجة له أو مصنعة له.
فمقاومة
الشيء تتقوى من النفس و البيئة ، و إذا بقيت النفس وحدها تقاوم وسط بيئة غير داعمة
إما ينكسر صمودها أو تبقى صامدة تقاسي و تعاني.
فمثلا
إذا كانت القيمة عدم الغش و كانت بيئة الفرد المحيطة في أغلبها تدعم الفساد و لا
ترى الغش عيبا ،بيئة تجد من الطبيعي أن تزيد علامة فلان لأنه ابن فلان أو تسرق
المازوت أو تضيف ماء للحليب أو تكذب و تخفي عيب البضاعة في سبيل بيعها أو المبالغة
في سعر بضاعة و تحميلها سعر لا تستحقه... و غيرها، فإذا كان الوضع كذلك ، كمن
يتلفت في كل الجهات و يصدمه الفساد ، سيكون واقعا مريرا لهذا الفرد الأمين و مقياس
مقاومته لها و عدم تقلدها في تضاؤل.
في
ما سبق ليس محاولة لتبرير الخطأ بحجة أن الكل يفعله ، إنما وصف للصورة و كيف تكون
البيئة إما معينة للخير أو معينة للشر و تأثير ذلك في أحوال الفرد و الأسر و
الجماعات و قيمهم.
فكيف لقيمة الصدق أن تنتشر إذا كانت البيئة في أغلب أحوالها تحيي قيمة الكذب من خلال الناس فيها على اختلاف أعمالهم و أدوارهم و الميديا المذاعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق